بسم الله وبالله التوفيق
أدلة على أن القرآن من عند الله .
توجد أدلّة كثيرة جدّا على أنّ القرآن هو من عند الله سبحانه وتعالى وليس مفترى أو مفتعل سأذكر من هذه الأدلّة ما كان أكثر تبسيطا ووضوحا وإقناعا :
1 ) غياب الافتخار في القرآن
أيُعقل في مجتمع قبلي، حيث يكون الافتخار بالذات وبالعائلة وبالقبيلة أصلا من أصول حياتهم ولا نجد أثرا لهذا في القرآن الكريم ؟؟ أين ذكر آل الرسول ـ ص ـ ؟؟ أين ذكر بني هاشم ؟؟ أيعقل أن يأتي القرآن لو كان مفترى خاليا من ذلك ؟
قريش ذكرت مرة واحدة في سورة قصيرة، بلا مدح ولا افتخار . محمد صلّى الله عليه وسلم، ذكر بالاسم أربعة مرات فقط وهو الرسول ( في آل عمران 144والأحزاب 40 والفتح 29 وسورة محمد 2 )،
لم يذكر من أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم إلا زيد وفي موضوع لا علاقة له بالافتخار أصلا ورغم أن الرسول ـ ص ـ كان يعلم أنّ الإسلام سينتشر في ربوع الأرض وصرّح بذلك في أحاديث كثيرة، وورد هذا الخبر بانتشار الإسلام في القرآن فهو لم يوص بشيء لقومه أولعائلته
3 ) غياب الرؤية النفعية
الرسول ـ ص ـ لم يغنم شيئا لنفسه : لا ملك ، لا سلطان ، لا مال، لا قصر ، لا بناية ضخمة على قبره ، لم يدعُ إلى أن يُخصّص له المسلمون طقوسا عبادية يذكرونه فيها …
4 ) غياب النظرة الإقصائية والأنانية وحب الذات
لم يعاد الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلم أحدا من الأنبياء ولا دعا إلى الكفر به ولا دعا إلى سبّ الديانات الأخرى ، بل كان يجلّ كلّ الرسل .. والأكثر أهمية من هذا أنّ القرآن الكريم لم يقل إن محمدا هو إمام الناس جميعا بل قالها لإبراهيم الخليل عليه السلام (إني جاعلك للناس إماما) وقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن (واتبع ملة ابراهيم) وقال (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) …
5 ) الإبداع في القرآن يغطي الأسلوب والمضمون و نجد تنوعا مذهلا في الأغراض
في القرآن تنوع أسلوبي لا حصر له : فيه الإخبار والإنشاء والخطاب المباشر و خطاب الغائب و القصص والأمثلة والحوار والإنذار والبشارة ، ووصف الأحوال ، والكناية والرمز والإشارة والتصريح ، والتشريع، والإجمال والتفصيل، والخطاب عن الماضي والحاضر والمستقبل، والتقريع والوعيد والرجاء، والدعاء، والأمل، والوعظ والاحتجاج … هذا بالإضافة إلى الإيقاع الموسيقي و الحضور القوي للمعنى في المضمون …. فلو تمثلنا كل هذه النقاط مجتمعة تمثلا حقيقيا في الذهن ولو تمثلنا أسلوب الخطاب الموجه للرسول في كل هذا ولو تمثلنا جانب الإرشاد والتوجيه والتفصيل العقلاني
والحسابي خاصة فيما يتعلق بالتشريع ولو تمثلنا القوة الأسلوبية التي صيغت بها آيات الحكم والجزم والتقرير والتحذير والوعيد فإننا عندئذ سندرك أن هذا لا يقدر عليه إنس ولا جان ، ولحكمنا بأن القرآن كتاب معجز
6 ) عندما اكتمل الوحي علم الرسول بذلك، واعلم به في خطبة الوداع
أيمكن للرسول ـ ص ـ لو كان كاتبا للقرآن الكريم، أن يـُـحدّد يوما اكتمل فيه الوحي وانتصر فيه الدين بشكل نهائي قبل أن يموت بفترة؟ فلو طال به العمر واستجدت أحداث تقتضي وحيا، ماذا كان سيصنع ؟؟ غير أن هذا الوحي ليس من كتابة محمد ـ ص ـ ، يقول الله سبحانه وتعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون ِاليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا) (3 المائدة)
7 ) تجمعت أسباب لا حصر لها لإيجاد أكثر من ( قرآن)
والشهادة التي أذكرها في آخر هذه المداخلة على صحة القرآن وأنه من وحي الله، أنه تجمعت أسباب لا حصر لها لتحريفه، فارتداد معظم العرب على إثر موت الرسول، وانقسام المسلمين إلى مناصرين لعلي عليه السلام ومناصرين لمعاوية وانقسام المناصرين لعلي رضي الله عنه إلى شيَع تزيد عن السبعين فرقة، كل فرقة لها عقيدة خاصة، وحاجة كل هؤلاء ماسة إلى تحريف القرآن لمناصرة قضاياهم، وحاجة الحكام إلى تحريف القرآن لتوطيد حكمهم.. كل هذه العوامل والأسباب تؤدّي إلى نتيجة منطقية وهي أنّ المنتظر أن نجد بين أيدينا مئات المصاحف المختلفة كل منها يسمّى قرآنا، ولكن بفضل الله ورحمته ليس عندنا إلا مصحفا واحدا كتب في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجمع في الرقاع في عهد أبي بكر الخليفة الأول وجمع في كتاب واحد في عهد الخليفة الثالث عثمان . وهذه معجزة مبهرة أن توفرت كل العوامل لتحريف الكتاب وجعله كتبا كثيرة ولكنه بقي رغم كثرت هذه الأسباب وقوتها كتابا واحدا بيدي الشيعة والسنة
8 )الرسول في القرآن مكلف ومأمور وليس بصاحب سلطة
من الأدلة المفيدة أن القرآن وحي من عند الله سبحانه وتعالى، أن شخص الرسول صلّى الله عليه وسلم غائب تماما في خطاب الباث، بمعنى أن ثنائية المخاطٍب و المخَاطب واضحة تماما ، فنحن عندما نقرأ القرآن ، نشعر يقينا بأنه (خطاب موجه إلى متلقّ) ، فعندما نقرأ مثلا ( قل هو الله أحد) أو (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ..) أو (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله) أو (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن )
9 ) أوحي إلى الرسول في سن الأربعين أي لم يـُـعرف في كلامه الأسلوب القرآني من قبل
من الأدلة أيضا، أنه لم يكن لهذا الأسلوب القرآني وجودا في كلام الرسول إلى حد 40 سنة . ولو كان موجودا لن يغفل أعداؤه عن ذكر ذلك . يقول الله سبحانه وتعالى ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) ( 16 يونس)
10 ) انقطاع الوحي والرسول في أمسّ الحاجة إليه يثبت أن ليس له سلطة على الإتيان به
يظهر جليا ضعف الرسول إزاء القرآن وعجزه على أن يجتلبه بمحض إرادته . لقد انقطع عليه الوحي في فترات متعددة ، وقد تطول الفترة حيث يكون في أمس الحاجة إلى الوحي ويصل الأمر إلى أن يتهكم عليه أعداؤه ويقولون إن رب محمد قد تركه . و الرسول بشر وهو أكثر الناس خوفا ورهبة من الله تعالى، فعندما يتأخر عنه الوحي يقلق قلقا شديدا ويخشى أن يكون ارتكب خطأ في تأدية الرسالة فأدى ذلك إلى انقطاع الوحي، ولا أحد يمكن أن يتصور الخوف الذي يعيشه الرسول ـ ص ـ من الله تعالى أثناء ذلك.وما كان ليخفى آثار انقطاع الوحي على ملامحه أو على سلوكه
11 ) آيات التحذير والتهديد والعتاب
توجد في القرآن آيات لا يمكن أن يقولها الرسول لنفسه : مثلا يقول الله تعالى مخاطبا الرسول صلّى الله عليه وسلم (لا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ..) ، ويقول الله تعالى ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) ويقول تعالى ( …وتُخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه …)، وآيات أخرى كثيرة فيها توجيه للرسول، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلم ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )
12 ) غياب تكلـّـُـف التعليل والتوضيح
لا نجد في القرآن تكلف التوضيح مثل ما هو في كتابات البشر : مثلا بعد إيراد الفكرة أو الحكم يقول أنه يعني كذا وكذا أو تكرار الأداة ( أي ) كالقول مثلا : قل هو الله أحد أي أن الله بلا شريك أو اقصد بذلك أنه ليس لله ند ــ بل إنّ رموزا وردت في القرآن ( فواتح السور ) لم يذكر الرسول عنها شيئا لتوضيحها، ولم يفسر الرسول من القرآن إلا القليل جدّا ، و لو أنه كاتب القرآن لكان ملأه بالشرح وأورد أحاديث كثيرة في شرح معناه ومقاصده
13 ) انسجام القرآن مع الطبع
وبما أننا نتحدّث عن معجزات القرآن، وما يثبت أن القرآن كلام الله . يمكنني أن أذكر ، أنه الكتاب الوحيد الذي تنسجم تلاوته مع الطبع انسجاما كاملا. وكدليل على ذلك نجد المسلمين الذين لا ينطقون بالعربية يحفظون القرآن عن ظهر قلب دون فهمه ، كما نجد الأطفال في سن الخامسة يحفظون القرآن بالقواعد بل من الحافظين الصغار من تدرج في الحفظ إلى درجة الإبهار وتخطى العادي إلى الإعجاز
14 ) بعث ُالحياة في أمة وأخراجهم من عبادة الأوثان إلى عبادة الله
من إعجاز القرآن أنه قد وحّـد قوما، ما كان يظن أحد أن يتوحدوا ، وانه وجههم إلى عبادة إله واحد ما كان يظن أحد أن يتجهوا ، وأنه صنع لهم حضارة ما كان يتوقع أحد أن تصنع لهم ، وانه يمثل درعهم في مقاومة أعدائهم ما كان يتصور أحد أن يبقى لهم هذا الدرع إذا ما سقطت كل الدروع ، وأنهم بعد جهلهم المطبق بالرسالات جعلهم ينافسون أهل الكتاب ويقنعون الملايين منهم بصحة الإسلام، ما كان أحد يظن أنه يأتي يوم على المسيحي أو اليهودي أن يجد فيه دينا يمسك به غير ما نشأ عليه هو وقومه . ولا زال القرآن يتحدى في عصر العلم ، ولا زالت قوته في أوْجها ولا زالت كل الأعين
مشرئبة إليه، ولا زال يمثل سلاح الفقير والمستضعف والمظلوم … وعندما قامت ثورات عديدة ضدّ الدين في أماكن مختلفة من العالم كانت تقوم في العالم الإسلامي من انبعاث الدين ثورات باسم القرآن …… أليس في هذا كله إعجاز !!! ؟
15 ) اهتمامه بإنسانية الإنسان
من الأمور التي تثبت أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، أنه لم يـُـضـيـّـع على الإنسان فطرته وطبيعته، بل أعطى أهمية لغرائزه ولحاجاته الدنيوية فالدين الإسلامي هو الدين الوحيد على حد علمي الذي اهتم بالحياة في كل أنحائها وكرّمها : اهتم بالتجارة ، بالأحوال الشخصية، بالمنافع والحاجيات والرغبات ، بزينة الحياة الدنيا ، بالقيم و الأخلاق ، و بالسير وعلاقات الناس بعضهم
ببعض ، و بالتربية … فالإسلام ( ككتاب وسنة ) زاخر بالعطاء ، محبب في الحياة ، مقدر لغرائز الإنسان العاطفية والجنسية ، مكرّم لطبيعته البشرية ( بما هي كذلك ) ، فهو يكشف لنا من بشريتنا ما لسنا نراه اليوم فينا، ليس هناك ثنائيّة (مقدس/ مدنس) في الإسلام ، بل يوجد ما هو منظم مقنن وما هو غير منظم . فكل منظم و مقنّن فهو مقدّس، و ما ليس بمنظم يجب تنظيمه . فالدنيا كما الآخرة مقدّسة ، إذا أخضعناها للتنظيم و التقنين وراعينا فيها الكرامة الإنسانية .
فالمؤمن الذي يهرب من دنياه هو المؤمن الذي أخطأ الطريق في السلوك إلى أخراه، أما المؤمن الذي يسترشد إلى جمال الله بجمال الدنيا و زينتها ، و يعتز بحريته و باستقلالية إرادته لأنهما متصلان بإرادة الله سبحانه وتعالى المطلقة ، فيعبد الله حامدا شاكرا ، عزيزا قويا ، آخذا بأسباب الدنيا و الدين ، لا عن خوف ورعب من المرتقب والمآل، بل عن علم و ثقة في الله سبحانه وتعالى، هذا المؤمن أفضل بكثير من ذلك (المؤمن) التعيس البائس ، الميت ــ الحي ، الذي لا يرى الإيمان إلا في مجاورة القبور أو في أسود الثياب أو أو في اعتزال الناس أو في فرض سور ( ما أنزل الله به من سلطان
)
بينه و بين شطره الآخر ( المرأة بالنسبة للرجل والرجل بالنسبة للمرأة) ، هروبا من الفأل و البياض و الجمال نزوعا إلى الحزن و التشاؤم و القبح