قصة سيدنا صالح عليه السلامكمال السيد في سنة 9 من الهجرة كان الجيش الاسلامي بقيادة سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يواصل زحفه باتجاه منطقة تبوك ، و ذلك لمواجهة حشود الرومان العسكرية في شمال شبه الجزيرة العربية . كانت الرحلة شاقّة جداً . . و كان جنود الاسلام يشعرون بالتعب و الظمأ . . من أجل هذا أمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) بالتوقف في " وادي القرى " قريباً من منطقة تبوك . عسكر الجيش الاسلامي قرب الجبال و كانت هناك منطقة أثرية و خرائب و آبار للمياه . تساءل البعض عن هذه الآثار ، فقيل انها تعود إلى قبيلة ثمود التي كانت تقطن في هذا المكان . نهى سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) المسلمين من شرب مياه تلك الآبار و دلاّهم على عين قرب الجبال . . وقال لهم أنها العين التي كانت ناقة صالح تشرب منها . حذر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) جنوده من دخول تلك الآثار الا للاعتبار من مصير تلك القبيلة التي حلّت بها اللعنة فاصبحت أثراً بعد عين . فمن هي قبيلة ثمود ؟ و ما هي قصة سيدنا صالح ( عليه السلام ) ؟ في تلك الوديان الفسيحة التي تدعى " وادي القرى " في شمال شبه جزيرة العرب و في عصور ما قبل التاريخ عاشت قبيلة ثمود . و قبيلة ثمود من القبائل العربية البائدة التي لم يرد لها ذكر في التاريخ الانساني . . سوى ما ورد من قصّتهم في القرآن الكريم أو في احاديث سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) . ظهرت هذه القبيلة بعد أن بادت قبائل عاد في وادي الاحقاف . اشتغل أهلها بالزراعة ، يحفرون الآبار و يحرثون الحقول ، وينحتون بيوتهم في قلب الجبال . . و كانت مواشيهم ترعى في المروج بسلام . فازدهرت بساتينهم و مزارعهم و أصبحت محمّلة بالثمار . هكذا كانت تعيش قبيلة ثمود . و بدل أن يشكروا الله و يعبدوه . . طغى الاثرياء و المترفون و اتجه أفراد تلك القبيلة إلى عبادة الأوثان من دون الله . و في تلك الفترة عاش سيدنا صالح ( عليه السلام )كان إنساناً طيّباً و حكيماً و كان الناس يحبّونه كثيراً لما عرف عنه من الخصال الحميدة و الصفات الحسنة . . و كان بعض أفراد القبيلة يفكرون بان صالح سيكون له شان ومنزلة و ربّما سيرأس قبيلة ثمود القويّة . الله سبحانه اختار سيدنا صالح ليكون رسولاً إلى قبيلته ، لينهى الناس عن عبادة الأوثان و يعبدوا الله وحده . سيدنا صالح كان يعرف أنّ عبادة الاوثان متأصلة في قلوبهم لأنها عبادة الآباء والأجداد . . و كان يعرف أنّ زعماء القبيلة اُناس مفسدون لا يحبّون الخير . . و هم يبطشون بكل من يدعو الناس إلى الانصراف عن عبادة الأصنام . و لكن سيدنا صالح ( عليه السلام )هو نبي الله و رسوله و هو لا يخاف أحداً غير الله عزوجل . لهذا أعلن سيدنا صالح دعوته و بشّر برسالته ، و من هنا بدأ الصراع . بدأ الخير صراعه ضد الشر ، و بدأ النبي المؤمن صراعه ضد الأشرار الكافرين . و كان في قبيلة ثمود تسعة رجال أقوياء و كانوا جميعاً يفسدون في الأرض ولا يصلحون . كانوا يكرهون الخير و يميلون إلى الشر .
الصخرة المقدسة ذات يوم ذهب أفراد القبيلة إلى صخرة كبيرة في الجبل كانوا يعبدونها منذ زمن بعيد . . الأطفال كانوا يشاهدون آباءهم يعبدون تلك الصخرة فعبدوها مثلهم . . و عندما كبروا ظلّوا يعبدونها أيضاً . الصخرة أصبحت مقدسة لدى القبيلة . . الناس يذبحون عندها الخراف . . و يقدّمون لها القرابين ، ويطلبون منها الرزق و البركة !! و رأى صالح ( عليه السلام ) ما يفعل قومه فحزن من أجلهم . . لهذا ذهب اليهم عند الصخرة المقدسة !! قال لهم سيدنا صالح : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره . قال بعضهم : كيف نعبده وحده ؟! قال صالح ( عليه السلام ): لأنّه هو الذي خلقكم و هو الذي يرزقكم . قالوا : ان الله بعيد عنا و نحن لا نستطيع أن نسأله . . لهذا فنحن نعبد بعض مخلوقاته الشريفة . . و هو قد فوّضها أمرنا ، فنحن نتقرّب اليها حتى يرضى عنا . قال صالح ( عليه السلام )بحزن : يا قوم إن الله هو الذي انشأكم و هو الذي أرسلني اليكم لتعبدوه وحده و لا تشركوا بعبادته أحداً . يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربّي قريب مجيب . قالوا : { يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً } . . كنا نأمل أن نفيد من عقلك و حكمتك . . و ها أنت تأتينا بالأعاجيب . . كيف تدعونا أن نترك الآلهة . . كيف تدعونا الى أن نترك ما كان يعبد آباؤنا و أجدادنا ؟! لقد أصبحنا نشكُّ في أمرك . . لقد جننت يا صالح !! قال صالح ( عليه السلام ) : لقد أرسلني الله اليكم لتعبدوه ، و أنا لا أطلب على ذلك أجراً من أحد و لا أعبد أحداً إلاّ الله الذي خلقني . قالوا : إذا كنت حقاً رسولاً من الله فهل تستطيع أن تخرج لنا من قلب هذه الصخرة الصمّاء ناقة عشراء . قال لهم النبي صالح ( عليه السلام ) : ان الله قادر على كل شيء و هو الذي خلقنا جميعاً من هذا التراب . قالوا : إنّا لا نؤمن برسالتك حتى تخرج لنا ناقة من قلب هذه الصخرة . و صاح بعضهم : نعم . . و أن تكون عشراء . . أي في بطنها حمل . قال سيدنا صالح : سأدعو الله فاذا فعل ذلك فهل توحّدوا الله وتؤمنوا بأني رسول منه إليكم ؟ قالوا : نعم يا صالح ، فمتى الموعد ؟ قال لهم صالح ( عليه السلام ) : غداً في هذا المكان . مع أوّل خيوط الفجر انطلق صالح صوب الجبل حيث توجد الصخرة الكبيرة . إن ما سيفعله صالح ( عليه السلام )ليس أمراً سهلاً !! كيف يمكن للجبل ان يتمخض عن ناقة ؟! كيف يمكن لهذه الصخرة الصمّاء أن تتشقق فتخرج عنها ناقة عشراء ؟! اجتمعت قبيلة ثمود بأسرها عند الجبل . . كان بعضهم يشكك ، و كان بعض ينظر إلى الجبل و آخرون كانوا يراقبون ما يفعله من بعيد . رأوا صالح ينظر إلى السماء الزرقاء ، و يتمتم بكلمات كان ينظر بخشوع و ضراعة و كانوا يرون يديه تشيران إلى الجبل و إلى قبيلة ثمود . أدركوا ان صالح يتضرّع إلى ربّه ، يطلب منه آية على صدق رسالته . كان يطلب شيئاً عجيباً ! يطلب ناقة عشراء ، أي مضى على حملها عشرة اشهر تخرج من قلب الجبل . . سيطرت رهبة المكان على الجموع و هي تراقب صالح و تنظر إلى الجبل بصخوره الصماء . جثا سيدنا صالح و دمعت عيناه و هو يطلب آية من ربه فلعل قومه يهتدون . . يعودون إلى فطرتهم فيعبدون الله وحده . فجأة نهض صالح و أشار باصبعه إلى نقطة في الجبل . . سمع أفراد القبيلة جميعهم صوتاً مهيباً . . صوتاً يشبه تشقق الصخور . . كان الصوت قويّاً مدوّياً . تساقطت بعض الصخور إلى أسفل الوادي . . و من بين الغبار الخفيف ظهرت ناقة جميلة رائعة . كانت ناقة عشراء حقاً . . الناقة كانت وديعة جدّاً يحبها المرء لأوّل نظرة . سجد سيّدنا صالح لله شكراً و تعظيماً . . انها قدرة الله المطلقة التي تقول للشيء كن فيكون . طأطأ أفراد القبيلة رؤوسهم إجلالاً و سجد بعضهم لله . . ها هم يرون آية عظيمة . . أمام أعينهم . . إن ما قاله صالح هو الحق . . إنّ الله واحد لا شريك له . كانوا قليلين و لكنّ إيمانهم كان إيماناً ثابتاً ثبات الجبل الذي خرجت من قلبه الناقة . كل افراد القبيلة كانوا ينظرون بانبهار إلى تلك المعجزة . . أصبحت الناقة رمزاً لرسالة صالح . أصبحت رمزاً للتوحيد في مقابل الوثنية .
الفصيل الصغير مرّت ثلاثة أيام و أنجبت الناقة فصيلاً جميلاً محبوباً . . كان يرافق أمّه دائماً يلعب قربها في وداعة و كانت أمّه ترعاه بحنان . . أصبحت الناقة و فصيلها الوديع رمزاً للمحبّة و الرحمة . كلما شاهدها أحد قال ، هذه ناقة صالح . و لكن سيّدنا صالح قال لهم : هذه ناقة الله . . إنّها آية السماء . . و ايّاكم أن تؤذوها أو تمسّوها بسوء سوف تحلّ بكم لعنة الله إذا فعلتم ذلك . و تمرّ الأيام و الناقة تعيش في تلك الوديان الفسيحة تأكل من أعشاب الوادي و تقصد بعض العيون فتشرب الماء و ترتوي . . كانت تهب اللبن لكلّ النّاس . . و كان لبنها طيباً مباركاً .
الصراع أصبحت قبيلة ثمود جبهتين متصارعتين جبهة الايمان و جبهة الوثان . . في كلِّ يوم كان الكفّار يؤذون المؤمنين يسخرون من إيمانهم يقولون لهم : هل حقاً انّكم تؤمنون بأن صالحاً رسول من الله ؟! و كان المؤمنون يقولون : نعم إنّنا نؤمن برسالته و بما جاء به من عند الله و لا نعبد غير الله . عندها يقول الكافرون : اننا بما آمنتم به كافرون . كانوا يعلنون بصراحة كفرهم برسالة الله . كانوا أثرياء أبطرتهم النعمة . . كانوا يتصوّرون انهم أقوياء جداً . و كان أكثرهم كفراً تسعة رجال قساة القلوب . . ليس في نفوسهم رحمة لأحد . . لا يعرفون شيئاً سوى مصالحهم . . ادركوا أنّ صالحاً سيكون خطراً على نفوذهم . . لهذا حقدوا عليه حقدوا على الناقة لأنها أصبحت رمزاً لنبوّة صالح و صدق رسالته .
المؤامرة : ذات ليلة و بعد أن نام الناس اجتمع أولئك الرجال التسعة راحوا يأكلون الطعام بشراهة . . أكلوا حتى امتلأت بطونهم . ثم راحوا يشربون الخمر حتى سكروا . . أصبحت عيونهم حمراء . . كانوا يتحدثون عن شيء واحد ، هو خطر النبي صالح . . تساءلوا ماذا نفعل ؟ كيف نتخلص من صالح ؟ قال أحدهم : الأفضل أن نتخلص من ناقته قال آخر : نعم نقتلها إنها الدليل على رسالته . . و عندما نقتلها سيكون ضعيفاً أمامنا . . قال ثالث : و نقتله هو الأخر . و قال الرابع : و من الذي يقتلها ؟ الرجل الخامس قال : نعم من الذي يستطيع قتلها ؟ قال الرجل السادس : أنا أعرف من يمكنه قتلها . سأل الرجل السابع : من هو ؟ تساءل الجميع : من هو ؟ قال الرجل : انه قيدار الشقيّ . صاح الجميع : نعم قيدار الذي لا يرحم أحداً .