خرج موسى من المدينة خائفا يترقب ، متجها الى أن يصرف عنه كيد الظالمين ... سار ثماني ليال قاصدا بلاد مدين ولا معين له الى عناية الله رب السموات والارض .... ولا رفيق يؤنسه إلا نور الله من حوله ،،،،، ولا زاد يحمله إلا زاد التقوى ،،،،، مشى حافيا حتى تساقطت جلود قدميه ،،،، جائعا تتراءى خضرة البقل من بطنه هزالا .... ولم يكن له عن كل ذلك إلا عزاء واحد ،،،، هو غنيمته بالبعد عن فرعون وقومه ..... ونجاته بعيدا عن الرقباء والكائدين ......
توجه الى مدين ، فوجد حشدا من الناس قد تزاحموا على مورد للماء .... كل منهم يعتمد على قدرته في التقدم والمسابقة الى البئر ، ورأى من دونهم امرأتين تفصلان أغنامهم حتى لا تختلط بأغنام غيرهما في ضعف وذلة ،،، إلى أن ينكشف هذا الحشد ،،،، وينصرف الجمع ،،،، فتتقدما للسقيا ....
ثارت في نفس نبي الله ثورة النصفة ,,, وحماية المستضعفين ، فتقدم وسالهما :
ما خطبكما ؟
قالتا:
لا نسقى حتى ينصرف الرعاة ... حذرا من مزاحمة الرجال ،،،، وقد جئنا نسقي اضطرارا ،،،، لأن أبانا شيخ كبير لا ينهض ، فما تأخر موسى عليه السلام عن نجد الضعيفتين ،،، بل سقى أغنامهما ، وتولى إلى الظل ،،، ثم انطلق لسانه يسترحم رب السموات ،، ويستدر العطف ,,, لانه فقير محتاج ......
بكرت الفتاتان بالرجعى إلى ابيهما الشيخ على غير عادة ، فسألهما الخبر ، فأخبرتاه ،،، وقد استجاب الله استرحام موسى ،،،، فحنا عليه ، اذ ألهم الشيخ أن يرسل أن يرسل في طلبه إحدى ابنتيه ، فجاءته الفتاة مستحية متخفرة ...
فقالت :
( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) سورة القصص
تبع موسى الفتاة الى بيت ابيها استجابة للدعوة .... ومن حياء الانبياء وأدبهم أدب سيدنا موسى عليه السلام مع الفتاة... فقد طلب منها ان تسير خلفه وتشير له بالطريق يمنة ويسرة .. حتى لا يقع بصره على الفتاة وهي تسير أمامه ..
فنزل صدرا رحبا ،،، وآنس حرما آمنا ،،،، ثم قص عليه قصصه ،، وأفضى إليه بمكنون سره ، فطمأنه الشيخ وقال :
(لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) سورة القصص